فصل: سورة النحل:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل المرام من تفسير آيات الأحكام



.تفسير الآية رقم (123):

الآية الثامنة والعشرون:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (123)}.
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً}: أمر سبحانه المؤمنين بأن يجتهدوا في مقاتلة من يليهم من الكفار في الدار والبلاد والنسب، وأن يأخذوا في حربهم بالغلظة والشدة.
والجهاد واجب لكل الكفار، وإن كان الابتداء بمن يلي المجاهدين منهم أهم وأقدم، ثم الأقرب فالأقرب.

.سورة هود:

وآياتها مائة وثلاث وعشرون آية.
مكيّة في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر وغيرهم.
قال ابن عباس وقتادة: إلا آية، وهي قوله: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ}.
وقال صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «اقرؤوا هود يوم الجمعة».
أخرجه الدارمي وأبو داود في مراسيله وأبو الشيخ وابن مردويه وابن عساكر والبيهقي في الشعب عن كعب.

.تفسير الآية رقم (113):

الآية الأولى:
{وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (113)}.
{وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}: فسّر الأئمة من رواة اللغة الركون: بمطلق الميل والسكون من غير تقييد بما قيد به صاحب الكشاف حيث قال: إن الركون هو الميل اليسير، وهكذا فسّره المفسرون بمطلق الميل والسكون من غير تقييد، إلا من كان من المتقيدين بما ينقله صاحب الكشاف.
ومن المفسرين من ذكر في تفسيره للركون قيودا لم يذكرها أئمة اللغة.
قال القرطبي في تفسيره: الركون حقيقة الاستناد والاعتماد والسكون إلى الشيء والرضا به، ومن أئمة التابعين من فسّر الركون بما هو بعض من معناه اللغوي:
فروي عن قتادة وعكرمة في تفسير الآية: إن معناها لا تودوهم ولا تطيعوهم.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في تفسير الآية: الركون هنا الإدهان، وذلك أن لا ينكر عليهم كفرهم.
وقال أبو العالية: معناه لا ترضوا أعمالهم.
وقد اختلف أيضا الأئمة من المفسرين في هذه الآية: هل هي خاصة بالمشركين؟
وأنهم المرادون بالذين ظلموا؟ وقد روي ذلك عن ابن عباس.
وقيل: إنها عامة في الظلمة من غير فرق بين كافر ومسلم، وهذا هو الظاهر من الآية. ولو فرضنا أن سبب النزول هم المشركون لكان الاعتبار لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.
فإن قلت: قد وردت الأدلة الصحيحة البالغة عدد التواتر، الثابتة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ثبوتا لا يخفى على من له أدنى تمسك بالسنة المطهرة، بوجوب طاعة الأئمة والسلاطين والأمراء حتى ورد في بعض ألفاظ الصحيح: «أطيعوا السلطان وإن كان عبدا حبشيا رأسه كالزبيبة».
وورد وجوب طاعتهم ما أقاموا الصلاة، وما لم يظهر منهم الكفر البواح، وما لم يأمروا بمعصية اللّه.
وظاهر ذلك أنهم وإن بلغوا في الظلم إلى أعلى مرتبة، وفعلوا أعظم أنواعه مما لم يخرجوا به إلى الكفر البواح، فإن طاعتهم واجبة، حيث لم يكن ما أمروا به من معصية اللّه.
ومن جملة ما يأمرون به تولي الأعمال لهم والدخول في المناصب الدينية التي ليس الدخول فيها من معصية اللّه.
ومن جملة ما يأمرون به الجهاد وأخذ الحقوق الواجبة من الرعايا وإقامة الشريعة بين المتخاصمين منهم وإقامة الحدود على من وجبت عليه.
وبالجملة فطاعتهم واجبة على كل من صار تحت أمرهم ونهيهم، فكل ما يأمرون به مما لم يكن من معصية اللّه، ولابد في مثل هذا من المخالطة لهم والدخول عليهم ونحو ذلك مما لابد منه، ولا محيص عن هذا الذي ذكرناه من وجوب طاعتهم بالقيود المذكورة لتواتر الأدلة الواردة به بل وقد ورد به الكتاب العزيز: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59]، بل ورد أنهم يعطون الذي لهم من الإطاعة وإن منعوا ما هو عليهم للرعايا، كما في بعض الأحاديث الصحيحة: «أعطوهم الذي لهم واسألوا اللّه الذي لكم».
بل ورد الأمر بطاعة السلطان وبالغ في ذلك النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حتى قال: «وإن أخذ مالك وضرب ظهرك».
وإن اعتبرنا مطلق الميل والسكون، فمجرد هذه الطاعة المأمور بها مع ما يستلزمه من المخالطة عن ميل وسكون، وإن اعتبرنا الميل والسكون ظاهرا وباطنا، فلا يتناول النهي في هذه الآية من مال إليهم في الظاهر بأمر يقتضي ذلك شرعا، كالطاعة أو للتقيّة مخافة الضرر منهم، أو لجلب مصلحة عامة أو خاصة، أو لدفع مفسدة عامة أو خاصة، إذا لم يكن له ميل إليهم في الباطن ولا محبة ولا رضا بأفعالهم.
قلت: أما الطاعة على عمومها لجميع أقسامها- حيث لم تكن في معصية اللّه- فهي على فرض صدق مسمى الركون عليها مخصّصة لعموم النهي عنه، ولا شك في هذا ولا ريب، فكل من أمروه ابتداء أن يدخل في شيء من الأعمال التي أمرها إليهم- مما لم يكن من معصية اللّه كالمناصب الدينية ونحوها- إذا وثق من نفسه بالقيام إلى ما وكل إليه فذلك واجب عليه، فضلا عن أن يقال جائز له.
وأما ما ورد من النهي عن الدخول في الإمارة، فذلك مقيد بعدم وقوع الأمر ممن تجب طاعته من الأئمة والسلاطين والأمراء، جمعا بين الأدلة أو مع ضعف المأمور عن القيام بما أمر به، كما ورد تعليل النهي عن الدخول في الإمارة بذلك في بعض الأحاديث الصحيحة.
وأما مخالطتهم والدخول عليهم لجلب مصلحة عامة أو خاصة، أو دفع مفسدة عامة أو خاصة، مع كراهة ما هم عليه من الظلم وعدم ميل النفس إليها، ومحبتها لهم، وكراهة الموصلة لهم- لو لا جلب تلك المصلحة، أو دفع تلك المفسدة- فعلى فرض صدق مسمى الركون على هذا فهو مخصص بالأدلة الدالة على مشروعية جلب المصالح ودفع المفاسد، والأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، ولا تخفى على اللّه خافية.
وبالجملة: فمن ابتلي بمخالطة من فيه ظلم، فعليه أن يزن أقواله وأفعاله وما يأتي وما يذر بميزان الشرع، فإن زاغ عن ذلك فعلى نفسها براقش تجني، ومن قدر على الفرار منهم، قبل أن يؤمر من جهتهم بأمر يجب عليه طاعته فهو الأولى والأليق به.
يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين، اجعلنا من عبادك الصالحين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، الذين لا يخافون فيك لومة لائم وقوّنا على ذلك، ويسره لنا، وأعنا عليه.
قال القرطبي في تفسيره: وصحبة الظالم على التقيّة مستثناه من النهي بحال الاضطرار. انتهى.
وقال النيسابوري في تفسيره: قال المحققون: الركون المنهي عنه هو الرضا بما عليه الظلمة، أو تحسين الطريقة وتزيينها عند غيرهم ومشاركتهم في شيء من تلك الأبواب. فأما مداخلتهم لدفع ضرر أو اجتلاب مصلحة عاجلة فغير داخلة في الركون.
قال: وأقول: هذا من طريق المعاش والرخصة، ومقتضى التقوى هو الاجتناب عنهم بالكلية. {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ} [الزمر: 36] انتهى.
{فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}: بسبب الركون إليهم وفيه إشارة إلى أن الظلمة أهل النار أو كالنار، ومصاحبة النار توجب لا محالة مس النار.

.سورة النحل:

وآياتها مائة وثمان وعشرون.
هي مكيّة كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر.
وروي عن ابن عباس وأبي الزبير: أنها نزلت بمكة سوى ثلاث آيات من آخرها فإنهن نزلن بين مكة والمدينة في منصرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم من أحد.
وتسمى هذه السورة بسورة النعم، بسبب ما عدد اللّه فيها.

.تفسير الآية رقم (67):

الآية الأولى:
{وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (67)}.
{وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً}: هو ما يسكر من الخمر.
{وَرِزْقاً حَسَناً}: هو جميع ما يؤكل من هاتين الشجرتين كالتمر والزبيب والخل، وكان نزول هذه الآية قبل تحريم الخمر.
وقيل: إن السّكر: الخل بلغة الحبشة.
والرزق الحسن: الطعام من الشجرتين.
وقيل: السّكر العصير الحلو الحلال. وسمي سكرا لأنه قد يصير مسكرا إذا بقي، فإذا بلغ الإسكار حرم. والقول الأول أولى، وعليه الجمهور.
وقد صرّح أهل اللغة بأن السّكر اسم للخمر ولم يخالف في ذلك إلا أبو عبيدة فإنه قال: السّكر الطعم. ومما يدل على ما قاله الجمهور قول الشاعر:
بئس الصّحاة وبئس الشّرب شربهم ** إذا جرى فيهم المزّاء والسّكر

ومما يدل على ما قاله أبو عبيدة ما أنشده:
جعلت عيب الأكرمين سكرا

أي جعلت ذمهم طعما.
ورجح هذا ابن جرير فقال: إن السّكر ما يطعم من الطعام، ويحب شربه من ثمار النخيل والأعناب، وهو الرزق الحسن، واللفظ مختلف والمعنى واحد، مثل: {إنما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86].
قال الزجاج: قول أبي عبيدة هذا لا يعرف، وأهل التفسير على خلافه، ولا حجة له في البيت الذي أنشده، لأن معناه عند غيره أنه يصف أنها تتخمر بعيوب الناس.
وقد حمل السّكر جماعة من الحنفية على ما يسكر من الأنبذة وعلى ما ذهب ثلثاه بالطبخ. قالوا: وإنما يمتن اللّه على عباده بما أحله لهم لا بما حرمه عليهم، وهذا مردود بالأحاديث الصحيحة المتواترة على فرض تأخره عن آية تحريم الخمر.

.تفسير الآية رقم (94):

الآية الثانية:
{وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (94)}.
{وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ}: وهي أيمان البيعة.
قال الواحدي: قال المفسرون: وهذا في نهي الذين بايعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن نقض العهد على الإسلام ونصرة الدين، واستدلوا على هذا التخصيص بما في قوله: {فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها}: من المبالغة، وبما في قوله: {وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِما صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (94)} لأنهم إذا نقضوا العهد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم صدوا غيرهم عن الدخول في الإسلام، وعلى تسليم أن هذه الأيمان مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، هي سبب نزول هذه الآية، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وقال جماعة من المفسرين: إن هذا تكرير لما قبله لقصد التأكيد والتقرير، أعني قوله: {وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها} [النحل: 91] إلى قوله: {تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ} [النحل: 92] الآية.
والمراد بالتوكيد التشديد والتغليظ والتوثيق، وليس المراد اختصاص النهي عن النقض بالإيمان المؤكدة، ولا يغيرها مما لا تأكيد فيه، فإن تحريم النقض يتناول الجميع، ولكن في نقض اليمين المؤكدة من الإثم فوق الإثم الذي في نقض ما لم يؤكد منها، وهذا العموم مخصوص بما ثبت في الأحاديث الصحيحة من قوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفّر عن يمينه»، حتى بالغ في ذلك فقال: «واللّه لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها، إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني»، وهذه الألفاظ ثابتة في الصحيح وغيره.
ويخص أيضا من هذا العموم يمين اللغو لقوله تعالى: {لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ} [البقرة: 225] ويمكن أن يكون التقييد بالتوكيد هاهنا لإخراج أيمان اللغو، وقد تقدم بسط الكلام على الإيمان في البقرة.
وقيل: توكيد اليمين هو حلف الإنسان على الشيء الواحد مرارا.
وحكى القرطبي عن ابن عمر: أنّ التوكيد هو أن يحلف مرتين فإن حلف واحدة فلا كفارة عليه.
قال أبو عبيدة: كل أمر لم يكن صحيحا فهو دخل.
وقيل: الدخل ما أدخل في الشيء على فساده.
وقال الزجاج: غشا.